منتدى رسالة المحاماة: إفرازات مصرية

شارك معنا

إفرازات مصرية


حينما قامت ثورة يوليو المجيدة عام 1952 ظلت ردحاً من الزمن تعانى فلول الوفدية، الذين أعيتهم الثورة وجردتهم من قوتهم ومالهم الكثير وثرواتهم الطائلة، وظلوا سنوات يحلمون بعودة أيامهم فى عهد الملك وتشكيلهم الحكومة.


وعانى أيضا الإخوان المسلمون من حل جماعتهم واعتبارها الكيان المحظور حتى قيام ثورة 25 يناير الرائعة التى فرضت عليهم نوعاً من الشرعية المعلنة.


وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر فى خريف 1970 وتولى الرئيس السادات حكم البلاد، حاول جاهداً إحياء جماعة الإخوان، ولكن ليس بشكل رسمى لكى يقضى على الشباب الذين يرتدون قميص عبد الناصر والتيارات الفكرية الشيعية والماركسية وغيرهم.


وبما أنه لم يعط الفرصة الحقيقية للإخوان فلم يتم القضاء على تلك التيارات السياسية الأخرى، إنما حدث نوع من التوازن بين كل التيارات، وهو ما أراده السادات.
وعندما أنشأ الأحزاب السياسية على هيئة منابر عام 1976 ثم تطورت لم تؤد الغرض المنوط بها فى الحصول على مساحة معقولة من الخريطة المصرية.


ورفض السادات قيام حزب الوفد مرات عديدة ولم يكتب لهذا الحزب القيام سوى عندما أتى حكم مبارك، الذى سمح لهم بحزب عام 1984 على يد فؤاد باشا سراج الدين، الذى سجنه السادات فى أخريات حياته، ولم يسمح السادات بقيام حزب للناصرين، ففعلها مبارك بحكم قضائى عام 1992 على يد مؤسسة ضياء الدين داوود – رحمة لله – وفى أزمة النظام السابق تجمعت قوى الإخوان والناصريين والوفديين على طاولة واحدة ما بين تأييد التنحى والاستمرار وبين شد وجذب اتفقوا على التنحى الذى جاءهم بالتخلى وهم ليسوا وحدهم فى ذلك ولكن إرادة شعبية عارمة.


وفى جمعة الغضب الثانية والأخيرة من شهر مايو الماضى امتنعت جماعة الإخوان عن الخروج ودعت إلى ذلك، ولم نرى حزب الوفد أو الناصريين فى الميدان ومع ذلك امتلأ التحرير بالثوار الذين زادوا عن المليون فى تحد حقيقى لكل التيارات المصرية، مؤكدين أن ثورة 25 يناير هى ثورة الشعب المصرى كله وليست ثورة فصيل معين أو تيار.


ووراء كل هذا تحاول جماعة الإخوان أن تبدو فى الصورة وتريد أغلبية تشكل بها الحكومة مستندة إلى التاريخ الذى حرمها من حقوق كثيرة والاعتقالات والإعدام الذى أتى على كثير منهم، خاصة الشهيد سيد قطب الإخوانى الكبير الذى شنقه عبد الناصر وغيره الكثير ممن تم التنكيل بهم وذبحهم فى سلخانة حكام مصر بعد الثورة وبعد حل الجماعة الظاهرى وإن بقيت منظمة عقود طويلة من الزمان.


وسوف نعانى فى الانتخابات البرلمانية القادمة من شبح الأغلبية الذى يبدو أنه سيتجه للإخوان بنسبة 25% وفلول الوطنى والتيارات والأحزاب الأخرى فى نسب متفاوتة، وهو ما يعصب مهمة الأغلبية المطلقة لأى تيار، وهو ما سيلهب قاعات مجلسى الشعب والشورى بالاشتباكات والصراخات بما قد يكون له من آثار إيجابية.


إن زواج التيارات المختلفة بالمصلحة حلم عمره قصير، ولم يزد عن شهور حتى تأتينا الانتخابات فينقلب الفرح إلى ساحة من المشاجرات والعراك الذى لا نتمنى أن ينتهى بمأتم.


ستخرج علينا فئة جديدة فى الحياة السياسية، علاوة على الإخوان والناصريين والوفد واليسار التقدمى والساداتيين – المباركين – ولن يتم السماح لهم بحزب سياسى أو ظهور مجتمعى عقود من الوقت وسيتم إقامة حزب للإخوان إذا لم يكن قد قام بالفعل وحزب للساداتيين.. وستظل هذه الفرق متناحرة طمعاً فى كعكة الحكم وسنشهد علو نجم فصيل على حساب آخر فى مفاجآت مدوية وليس علينا سوى الانتظار.
حمدي خليفة نقيب المحامين " السابق "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق